هل رب المسلمين يأمر بالفسق ؟


هل رب المسلمين يأمر بالفسق ؟

يقول القس لبيب ميخائيل [ويقول أنه يأمر بالفسق ثم يعاقب الفاسقينوَإذاً أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ]([1])

قلت: هذا حال من يقول أنه درس الإسلام والمسيحية لعدة سنين يقول أن القرآن يأمر بالفسق قلت: سبحان ربى وهل يوجد دين على الأرض مثل الإسلام في أخلاقه وتحريمه لفواحش! طبعاً كالعادة القس لم يرجع إلى تفاسير علماء المسلمين ليفهم معنى الآية.

§تفسير الآيات:

يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي : [الصَّوَابُ الَّذِي يَشْهَدُ لَهُ الْقُرْآنُ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ: أَمَرْنَا هُوَ الْأَمْرُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ النَّهْيِ، وَأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْأَمْرِ مَحْذُوفٌ لِظُهُورِهِ، وَالْمَعْنَى: أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ وَتَوْحِيدِهِ، وَتَصْدِيقِ رُسُلِهِ وَاتِّبَاعِهِمْ فِيمَا جَاءُوا بِهِ: فَفَسَقُوا، أَيْ: خَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ أَمْرِ رَبِّهِمْ، وَعَصَوْهُ وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ، أَيْ وَجَبَ عَلَيْهَا الْوَعِيدُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا، أَيْ أَهْلَكْنَاهَا إِهْلَاكًا مُسْتَأْصِلًا، وَأَكَّدَ فِعْلَ التَّدْمِيرِ بِمَصْدَرِهِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي شِدَّةِ الْهَلَاكِ الْوَاقِعِ بِهِمْ.وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي هُوَ الْحَقُّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَشْهَدُ لَهُ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ]([2])

§هل يأمر الله في الآية بالفسق؟

 الجواب أيضاً من الشيخ الشنقيطي [فَتَصْرِيحُهُ جَلَّ وَعَلَا بِأَنَّهُ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا  ، أَيْ: أَمَرْنَاهُمْ بِالطَّاعَةِ فَعَصَوْا، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَمَرْنَاهُمْ بِالْفِسْقِ فَفَسَقُوا ; لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ.] ([3])

يقول الإمام أبو الحسن الواحدي النيسابوري الشافعي (المتوفى: 468هـ) [وَإذاً أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا أمرناهم على لسان رسولٍ بالطَّاعة وعنى بالمترفين: الجبَّارين والمُسلَّطين والملوك وخصَّهم بالأمر لأنَّ غيرهم تبعٌ لهم {ففسقوا فيها} أَيْ: تمرَّدوا في كفرهم والفسق فِي الكفر: الخروج إلى أفحشه {فحقَّ عليها القول} وجب عليها العذاب {فدمرناها تدميراً} أهلكناها إهلاك استئصال]([4]) ولتفسير الآية عدة أقوال ذكرها المفسرين منها:

 إن معنى {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} : قيل  أكثرنا  ذكره ابن كثير عن ا بن عباس [وَقَالَ العَوْفِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَإذاً أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا} يَقُولُ: أَكْثَرْنَا عَدَدَهُمْ، وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَالْحَسَنُ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، وَعَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} : أَكْثَرْنَا.]([5])

وقيل أن معنى {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا}:  أمراً قدرياً ذكر أيضاً ابن كثير [ فِيهَا أَمْرًا قَدَرِيًّا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا} [يُونُسَ: 24] ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ، قَالُوا: مَعْنَاهُ: أَنَّهُ سَخَّرَهُمْ إِلَى فِعْلِ الْفَوَاحِشِ فَاسْتَحَقُّوا الْعَذَابَ.]([6])  

قلت:

وقيل  معنى {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا}: الأمارة [وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ جَعَلْنَاهُمْ أُمَرَاءَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى أَكْثَرْنَا]([7])

لكن الذى عليه جمهور العلماء والمفسرين هو أمرنا مترفيها بطاعة الله ففسقوا فيها  هذا الرأي الذي  رجح أكثر العلماء واختاره شيخ المفسرين أبو جعفر الطبري رحمه الله : [وأولى القراءات في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأ (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) بقصر الألف من أمرنا وتخفيف الميم منها، لإجماع الحجة من القرّاء على تصويبها دون غيرها. وإذاً كان ذلك هو الأولى بالصواب بالقراءة، فأولى التأويلات به تأويل من تأوّله: أمرنا أهلها بالطاعة فعصوا وفسقوا فيها، فحقّ عليهم القول، (…) ومعنى قوله (فَفَسَقُوا فِيهَا ) : فخالفوا أمر الله فيها، وخرجوا عن طاعته] ([8])

 هذا ما عليه جمهرة العلماء، وأما ما ذكره العلامة الزمخشري رحمه الله يقع تحت من قال في الآية أمراً قدرياً وما هو إلا اجتهاد شخصي يخالف جمهور العلماء وصريح القرآن لأن الله لا يأمر بالفحشاء ! وقال الإمام ابن عرفة بعد ما ذكر قول العلامة الزمخشري رحمه الله [ورده ابن عرفة بأن فيه [شذوذ] من وجوه أحدها إخراج لفظ الأمر من حقيقته وتكثير المضرات والمقدرات، وإقامة السبب مقام المسبب إلى غير ذلك، قال وكان بعضهم يرد عليه إلى بعض أنه يقال أمرنا المعين.. قاله الزمخشري جار على مذهبه كان على أصول الفقه حكوا في لفظ آخر خلافا هل هو حقيقة في القول المخصوص أو في الفعل، وهو مذهب أبي القاسم، والمعتزلة فقال يلزم هنا الإجمال.]([9])

آيات قرآنية تنهي عن فعل الفحشاء.

(سورة الأعراف 28 )▬  وَإذاً فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ  

(سورة النحل 90)إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ

 (سورة الحجرات 8 ) ▬وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ

فكيف يعقل أن رب الإسلام يأمر بالفسق و الفحشاء!؟

ثم ماذا عن الكتاب المقدس؟

العجيب أن في كتاب القس الذي يفتري على الإسلام الرب يأمر بالفحشاء بل المسيحية لا يوجد فيه حلال وحرام فكل شيء جائز ومباح سواء أكان فاحشة أم غير ذلك !

يقول الرب يهوه في سفر (حزقيال 23 :1 )[وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ: 2«يَا ابْنَ آدَمَ, كَانَتِ امْرَأَتَانِ ابْنَتَا أُمٍّ وَاحِدَةٍ, 3زَنَتَا بِمِصْرَ فِي صِبَاهُمَا. هُنَاكَ دُغْدِغَتْ ثُدِيُّهُمَا, وَهُنَاكَ تَزَغْزَغَتْ تَرَائِبُ عُذْرَتِهِمَا. 4وَاسْمُهُمَا: أُهُولَةُ الْكَبِيرَةُ, وَأُهُولبيبةُ أُخْتُهَا. وَكَانَتَا لِي, وَوَلَدَتَا بَنِينَ وَبَنَاتٍ 19وَأَكْثَرَتْ زِنَاهَا بِذِكْرِهَا أَيَّامَ صِبَاهَا الَّتِي فِيهَا زَنَتْ بِأَرْضِ مِصْرَ. 20وَعَشِقَتْ مَعْشُوقِيهِمِ الَّذِينَ لَحْمُهُمْ كَلَحْمِ الْحَمِيرِ وَمَنِيُّهُمْ كَمَنِيِّ الْخَيْلِ. 21وَافْتَقَدْتِ رَذِيلَةَ صِبَاكِ بِزَغْزَغَةِ الْمِصْرِيِّينَ تَرَائِبَكِ لأَجْلِ ثَدْيِ صِبَاكِ. 22«لأَجْلِ ذَلِكَ يَا أُهُولبيبةُ, هَكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هَئَنَذَا أُهَيِّجُ عَلَيْكِ عُشَّاقَكِ الَّذِينَ جَفَتْهُمْ نَفْسُكِ]  هذا السفر الذي قال عنه الأب متى المسكين [سفر حزقيال 24 إصحاحا من وسخة الزنا وفحشاء الأنسان]([10])   لن أذكر نصوص من الكتاب المقدس التي تحرض على الفحشاء فنشيد الإنشاد يحصل على المركز الأول بجدارة في ذلك([11])

بل رب المسيحية يأمر بالزنا على صفحات الكتاب المقدس!!

هوشع 2:1[أَوَّّلَ مَا كَلَّمَ الرَّبُّ هُوشَعَ قَالَ الرَّبُّ لِهُوشَعَ: «اذْهَبْ خُذْ لِنَفْسِكَ امْرَأَةَ زِنًى وَأَوْلاَدَ زِنًى لأَنَّ الأَرْضَ قَدْ زَنَتْ زِنًى تَارِكَةً الرَّبَّ!».] هل علمت من يأمر بالفسق والفحشاء أيها القس؟!!


[1]  إلهنا ليس إلهكم، لبيب ميخائيل، الطبعة الأولى صـ 4

[2] أضواء البيان، الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، دار الفكر، الجزء 3صـ 75

[3] المرجع السابق الشيخ رجح هذا القول ولأدعي لذكر باقي الأقوال اذا أردت المزيد فعليك بكتب التفسير

[4]  الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، أبو الحسن الواحدي النيسابوري، دار القلم، صـ 630

[5] تفسير القرآن العظيم، الحافظ ابن كثير، دارطيبة، الجزء5 صـ 62

[6] المرجع السابق

[7] معالم التنزيل، الإمام البغوي، دار التراث العربي، الجزء 3صـ 124

[8] : جامع البيان في تأويل القرآن، أبو جعفر الطبري، مؤسسة الرسالة، الجزء 17 صـ 406

[9] تفسير ابن عرفة، محمد ابن عرفة، دار الكتب العلمية، الجزء 3 صـ 62

[10] النبوة والأنبياء في العهد القديم، الأب متى المسكين، صـ 227

[11] راجع بحثنا:نشيد الإنشاد بين مجهولية الكاتب وإباحية السفر: http://goo.gl/o3z486

أضف تعليق